المسؤولية الاخلاقية للتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي
Abstract
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه وحبيبه وعبده وعلى اله وصحبه وجنده. أما بعد،
إنّ اهمية هذا الموضوع تأتي من اهمية العنصرين اللذين يتألف منهما وهما الأخلاق والإعلام، فمنزلة الأخلاق في الإسلام عظيمة جليلة بل هي احدى القواعد الثلاث التي يقوم عليها الإسلام (العقيدة والفقه والسلوك)، ولذا كان ربع القرآن الكريم يتكلم عن الأخلاق سواء في جانبها النظري أو جانبها العملي، وجاءت السنة النبوية واثار السلف الصالح مؤيدة هي الاخرى لاهمية الأخلاق ومكانتها في الشريعة الإسلامية، فالايمان لايتم ولا يكتمل الا بالأخلاق الحسنة بل أن الايمان هو حسن الخلق، وأن الله انزل كتبه وأرسل رسله لاتمام مكارم الأخلاق ولذا كان حسن الخلق من اعظم صفات الانبياء، ويمثل حسن الخلق اوسع الابواب إلى الجنة واثقل الأعمال في ميزان المؤمن بعد التوحيد وتقوى الله تعالى.
وتشكل الأخلاق الفاضلة الدعامة الأولى لحفظ الأمم والشعوب والمجتمعات، وبفضلها ينهض العمل الصالح النافع من أجل خير الامة والمجتمع، وما من حضارة أو امة حادت عن مبادئ الأخلاق الفاضلة وانحرفت نحو الترف والاسراف والفساد والانحلال الخلقي أو القهر والتجبر والظلم الا دمرها الله بترف ابنائها واسرافهم وفسادهم وظلمهم وتجبرهم، فخطر الانحلال الخلقي على الامة والمجتمع اعظم بكثير من الخطر المادي المحسوس، يقول الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم: ٤١.
واما دور الإعلام في المجتمع فلم يعد خافيا على لبيب ان وسائل الإعلام ولاسيما الرقمي أصبحت جزءاً لا ينفصم عن المجتمع، اذ أصبحت مصدراً مهماً من مصادر المعلومات، وموجّهاً قوياً لسلوك كثير من أفراد الجمهور، وتنامى دورها في التأثير وفي تشكيل الرأي العام والقدرة على الإقناع والتغيير، وتنوعت الوظائف التي تقدمها من دعوية وإخبارية وتنموية وترفيهية وتسويقية، وإجتماعية وقد حظيت هذه الوظيفة بإهتمام كبير وأكد عليها جمع من المنظرين في الإعلام وتتمثل بالآتي: مراقبة البيئة، والترابط الإجتماعي ونقل التراث الإجتماعي وتوصيل المعلومات والقيم والمعايير الإجتماعية من جيل إلى آخر، والرقابة الإجتماعية وتوزيع الأدوار وتنسيق الجهود.
اما الإعلام في المنظور الاسلامي فتتجلى اهميته في وظيفته الإجتماعية التي يسعى من خلال تحقيقها الى بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة المفكرة والمبدعة والقوية، وبناء المجتمع المتماسك والمتكامل، وتعميق الشعور الإنساني تجاه الآخرين، مع بث روح الألفة والمودة والتعارف والتآلف والانسجام بين سائر المسلمين، وتقوية الروابط الإجتماعية بينهم، ومناصرة المستضعفين والعمل على إنصافهم بعرض قضاياهم، والتأكيد على أنَّ كرامة الإنسان مصونة وحرية الفرد مكفولة، وحماية المجتمع الإسلامي من إفرازات المجتمعات الغربية.
ومما عزز الاندفاع غير المنضبط لاستخدام هذه الوسائل تميزها بخصائص تتجلى بسهولة استخدامها وتوفرها في الاجهزة الحديثة وقلة تكلفتها وسرعة تداول المعلومات فيها وتنوعها من الكتابة الى الصورة وحتى الفيديو، ومن مميزاتها ايضا حفظها لخصوصية المستخدم لها، ولانتشارها بين مختلف الاوساط مما جعل عدم استخدامها أمرا مستهجنا من الاخرين. ولعل من أبرز مخرجاتها التي لا غنى لأية اسرة عنها، مواقع التواصل الاجتماعي ، التي تعد بحق سلاحا ذا حدين لما لها من ايجابيات وسلبيات، ومن هنا تبرز أهمية دراسة المسؤولية الاخلاقية في التعامل مع هذه المواقع بعد بيان تأثيرها على منظومة القيم التي جاءت بها مقاصد الشريعة. وبات من الضرورة معالجة مشكلة الاثار السلبية لمستخدمي الاعلام الرقمي الجديد على قيم المنظومة الاجتماعية والاسرية، إذ مع تزايد استخدام هذا الاعلام تتفاقم اثارها السلبية ليس على مستوى دولة أو أكثر وانما على مستوى العالم الانساني برمته، وفي كل الاحوال تعد الدائرة الاقرب لهذه المعالجة هي الاسرة، ومن هنا تتجلى أهمية استشعار المسؤولية الاسرية في توظيف هذا الاعلام في تعزيز القيم الايجابية لدى الابناء وتحجيم القيم السلبية. إنّ الهدف من هذه الكلمة التي تعالج جانبا مهما من الأزمة الأخلاقية التي تعتري التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل من ابرزها:
- التعريف بالمسؤولية الأخلاقية ومواقع التواصل الاجتماعي.
- تحديد اهم معالم المسؤولية الأخلاقية في التعامل مع وسائل التواصل الإجتماعي.
- تفصيل صور المسؤولية الاخلاقية بحسب التواصل الفردي والمشترك مع مواقع التواصل الاجتماعي .
- التوصل الى توصيات علمية وعملية، يمكن من خلالها المساهمة في معالجة أزمة أخلاقيات الإعلام، او الحد منها وتقليل أثرها في مجتمعاتنا.
ولأجل تحقيق هذه الاهداف ومعالجة هذه المشكلة أو تقليل أثرها، سنعتمد المنهج التأصيلي فيما يتعلق بتحرير الضوابط الشرعية للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وبيان المحددات الشرعية للمسؤولية الاخلاقية لاستخدامها، وهذا يستلزم القيام بمسح لأهم الآراء والاحكام التي وردت في المصادر العلمية والإعلامية المعتمدة وتحليلها لتحديد مفهوم المسؤولية الأخلاقية وضوابطها في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي.